الفرعون الخالد
المساهمات : 65 تاريخ التسجيل : 29/10/2008 العمر : 37
| موضوع: الإسلام والديمقراطية الإثنين 27 أبريل - 11:29 | |
| يرى كثير من الباحثين -خطأ- فى العصر الحديث ولا سيما فى البلاد الإسلامية أن هناك تشابهاً ، أو تطابقاً ، بين الإسلام والديمقراطية ، وبصرف النظر عن أنه ربما كان الذى دعا بعضهم إلى القول بهذا الرأى أن النظام الديمقراطى هو نوع الحكم السائد الآن فى البلاد الغربية ، الذى تروج له الدعاية ، وتمتدح صفاته ، ويشاد بشأنه ؛ وربما يستطيع الباحث أن يجد دعائم كثيرة يمكن أن يستند إليها هذا الرأى فبين الإسلام والديمقراطية أوجه تشابه ، ولكن القول بهذا إنما يعبر ، فقط ، عن بعض الحقيقة . أما الحقيقة الكاملة فهى أن بينهما من التخالف مثل ما بينهما من التوافق ، بل ربما كان الأقرب إلى الصواب أن نقول إن وجوه الخلاف تغلب ، أو هى أهم من وجوه التماثل . فمن خلال مفهوم الإسلام للعقد السياسى ، ومسئولية الحكم ، وطبيعة التعاقد ، ومكانة الأمة ، وخصائص إرادتها ، والعلاقة بينها وبين الحاكم نتبين أنه ليس فقط بين الإسلام من الوجهة السياسية والنظام الديمقراطى أوجه تشابه ، بل إن أهم ما تحتوى عليه الديمقراطية من عناصر ، وأفضل ما تتميز به من صفات ، يشتمل عليه الإسلام . فإن كان يراد بالديمقراطية أنها كما عرفها لنكولن (حكم الشعب بواسطة الشعب من أجل الشعب ؛ فهذا المعنى متمثل ولا شك فى نظام الدولة الإسلامية باستثناء أن الشعب ينبغى أن يفهم فى الإسلام على نحو معين ، أو شامل . وإن كان يراد بالديمقراطية ما صار يقرن بها عادة ، من وجود مبادىء سياسية ، أو اجتماعية معينة : مثل مبادىء المساواة أمام القانون ، وحرية الفكر والعقيدة ، وتحقق العدالة الاجتماعية ، وما إلى ذلك ، أو كفالة حقوق معينة كحق الحياة والحرية والعمل ، وما أشبه فلا شك فى أن كل تلك المبادىء متحققة ، وهذه الحقوق مكفولة فى الإسلام . غير أنه ينبغى أن يلاحظ أن نظرة الإسلام إلى هذه الحقوق من حيث المنشأ الطبيعى تختلف ، فقد تعتبر حقوقاً ، أو تقرر على أنها هى الأصل فى الأشياء ، أو أنها هى القانون الذى وضعه الله للوجود ، أو الفطرة ، ولكن مع كل ذلك ، لا يؤثر هذا الاختلاف فى النظرة فى طبيعة تلك الخصائص أو الحالات ؛ والنتيجة واحدة ، وهى أن الإنسان تضمن له كل هذه الأمور . والواقع أن الشريعة الإسلامية إنما ترمى إلى أن تحقق العدالة المطلقة فى أكمل صورها ، وأن توفر للإنسان أسمى وأكرم حياة يمكن أن تتوفر تليق بإنسانيته . أما إن كان المراد من الديمقراطية ما تعورف على أن نظامها يستتبعه ، وهو تحقق مبدأ الفصل بين السلطات فهذا أيضاً ظاهر فى النظام الإسلامى فالسلطة التشريعية هنا ، وهى أهم السلطات فى أى نظام ديمقراطى مودعة فى الأمة كوحدة ، ومنفصلة عن سلطة الإمام ، أو رئيس الدولة ، فالتشريع يصدر عن الكتاب والسنة ، أو إجماع الأمة ، أو الاجتهاد ، وهو بهذا مستقل عن الإمام بل هو فوقه ، والإمام ملزم ومقيد به ؛ وما الإمامة فى الحقيقة إلا رئاسة السلطة التنفيذية والقضاء مستقل أيضاً ، لأنه لا يحكم وفقاً لرأى الحاكم ، أو الرئيس وإنما يحكم وفقاً لأحكام الشريعة ، أى أمر الله ، ولا يمكن أن يحكم إن أريد له أن يبقى قضاء إسلامياً إلا هكذا . وإن فكرة الإجماع التى هى من خصائص الشريعة الإسلامية ، والتى انفردت هى بتقريرها ، لتؤيد القول بأنه خُصِّصَ للأمة وإرادتها مكان فى النظام الإسلامى أرقى مما يمكن أن تناله فى أى نظام ديمقراطى ، مهما كمل . فالمسلمون قد قرروا -من قبل أن يظهر روسو وأمثاله ويتكلموا عن الإرادة العامة ويمجدونها -: أن إرادة الأمة معصومة ، وأنها من إرادة الله ، وجعلت مصدراً للتشريع ، وإن كانت تعتمد فى النهاية على مصدرى الكتاب والسنة ، ومن الناحية العملية تمثل هذه الإرادة بإجماع المجتهدين من علماء الأمة . ولقد قال الإمام الرازى بصدد تفسير الآية الكريمة : {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم}( ) : ما يلى أمر الله بالطاعة هنا وارد على سبيل الجزم ، ومن أَمَر الله بطاعته هكذا يجب أن يكون معصوماً( ) ؛ لئلا يترتب عليه أمر الله بفعل الخطأ ومتابعته ؛ ثم قرر أن المعصوم لا يجوز أن يكون بعض الأمة ، وإنما هو مجموعها ممثلا فى أهل الاجتهاد . واستنتج من هذا أن الآية حجة على الإجماع ، وخلص من ذلك إلى أن المراد بأولى الأمر إنما هم أهل الحل والعقد من علماء الأمة القادرين على الاجتهاد والاستنباط إذا أجمعوا ؛ وهم المعروفون بهذه الصفة فى كتب أصول الفقه . وقد قرر الشيخ محمد عبده مثل هذا التفسير مع تعديل يسير( ) ، وأثبته فى تفسيره ، كما اختاره غيره من علماء المعاصرين( ) . مثل ما سبق من مقاربات ومداخلات هو المنحى السائد للأسف فى العديد من الدراسات التى عنت ببيان النظرية السياسية الإسلامية . وهذا المنحى يقف موقف الدفاع فى أحسن الأحوال ، واللهاث وراء الفكر الغربى فى كثير منها ، مع الإحساس بعدم الثقة بالفكر الإسلامى وقدرته على الطرح والمبادرة .
| |
|